الخميس، 10 ديسمبر 2009

معيشة ابائنا جزء التاسع

معيشة ابائنا جزء التاسع
ان ابناء الجيل الحالي والذين ولدوا بعد عام 1967 تغيب عنهم الكثير من المشاهد الحية في حياة ومعيشة ابائهم ومنطقتهم وما يعنينا هنا هي بلدنا عينات على وجه التحديد كيف كانت معيشة ابائنا وكيف كانو يقضون يومهم العادي وهو ما سنركز الضوء عليه ولعل الامر يجرنا الى تسليط الضوء الى زوايا اخرى من معيشة الاباء في العمل والعادات والتقاليد
************************************************** *************************************
الحماله والجماله
من خلال تسلسل الافكار واستحثاث الذاكره ومحاولة صياغه الفكرة بحيث لاتغلب عليها اللهجه الخطابية ما استطعت وتذييلها ببعض الملاحظات والفوائد حسب ظني اضافه الى ايراد بعض الطرف لاخراج الموضوع من التكلف او الجمود من خلال كل ذلك فقد تغيب خاطرة من هنا او تفصيلة تخص الموضوع ولها اهميه من هناك فاجدني ان تذكرتها مدفوعا لتسجيلها رغبة في التكامل واعطاء مزيد من التفاصيل *
اولا -اعود في لقطة فلاش باك الى السوق لكي اوضح انه في الجمعه الاخيرة من كل شهر رمضان كان يحدث تجمع كبير من ابناء المناطق يسمى الخمسه فروض ( بعد صلاه الجمعه في الجامع يقوم الامام بقضاء الصلواة الخمس احترازا عن أي سهو او نقصان وقبل ان يغادر شهر رمضان ) وتعتبر كزياره عامه اسوه بما يحصل في الزيارات المتنوعه كزيارة المشهد في دوعن وزيار الحول بسيئون وزياره السبعه بالشحر وزيارة النعائم بالسوم وغيرها – ويقدم لها اعداد كبيره من ابناء المناطق والمدن بوادي حضرموت وهذا التجمع يجذب اليه تجار التفرقه حيث تبداء البسطات ابتداء من تحت المسجد الى السوق وتجد فيها جميع انواع البضائع خصوصا الحلويات والمكسرات والعاب الاطفال والملابس وتنشط حركة تجارية كبيره في ذلك اليوم وهو ما يحصل في كل تجمع *
ثانيا -ان اغلب ابناء البلد وغيرهم كانو يمتلكون الحمير وكثيرا ما كان البعض من ابناء عينات والكثير من ابناء القرى المجاوره يدخلون الى عينات راكبين حميرهم واضعين على ظهرالحمار الشد وهو قطعه من القماش محشية بالراء ( والراء نبته كانت متواجده بكثره في الوديان شجرتها صغيره وتخرج من اغصانها نبتة الراء وبكثافة ويمكن الاشاره اليها باعتبارها القطن الذي يستعمله اهل احضرموت حيث ان اكثر من 90% من فرش ومخدات ( دكاي ) اهلنا كانت محشيه بالراء – وهذا الشد لكي يستريح الراكب على ظهر الحمار لمسافات طويله ويضع فوقه الخرج وهو عبارة عن كيسين كبيرين متصلين ببعض يتم وضعهم على الشد فوق ظهر الحمار ويتدلى كل طرف منهم على الجوانب ليتم حشوه بتوازن بالمواد التي يتم شرائها ويمكن له ان يستوعب حتى التنكه وغيرها ومن الصعب ان تلقى في ذلك الوقت احدا من الاهالي يشتري من اصحاب الدكاكين بضائع بالكيس والتنكه فقد كان البيع يتم بالرطل والرطلين والقهاول وبالمصرى والمد ويتم وضع الحبوب في اكياس من قماش الكاره يتم خياطتها ثم عمل خيط في طرفها العلوي ليتم ربط البضاعه في الكيس باحكام اما السمن فيتم وضعه في علب تسمى ( السطل ) اماالسليط زيت دهن الشعر فيوضع غالبا في زجاجات صغيره وبالنسبة للشاي فانه يتم وضعه في مزمار من اوراق الصحف الانجليزية القديمه التي كانت تباع بالرطل وبعد وضع الشاي في المزمار الورقي يتم لفه بخيط ابيض تجده في كل دكان – اما بالنسبة لاهل عينات فان تسوقهم يومي او شبه يومي حيث يقوم رب الاسره بالذهاب الى السوق ويحمل معه السطل للسمن النباتي وغرشه للسمن الزين وغرشه للسليط اما بقية المواد وهي الرز والسكر والشاي واللخم والحنيد فهذه يتم شرائها حسب الاستهلاك اليومي ويتم ربطها في سباعية او رادي الشخص حيت يتم وضع البضاعه البسيطه اصلا ثم لفها وربطها بخيط باحكام حتى لا يتفرط ولهذا تجد ان القادم من السوق يكون راديه مصعرر ويتم فك تلك الكتل في المنزل وهكذا يوميا بل ان بعض الناس لا يجد كفاف يومه فيكون طعامه التمر واذكر انني رافقت والدي في مساء ذات يوم الى السوق بعد صلاة العشاء فقام شخص لا اذكره بالنداء على والدي وقال له ياكرامه خذ المواد الموجوده في دكان قندل الى البيت حقي فسمعت والدي يقول ولا زالت ترن في اذني ( يا سهالة الله تيسر عشاء الزقور )اذا لم يكن لدينا وجبة عشاء حتى تلك اللحظه – وقد رايت بعيني انه حتى اصحاب الدكاكين كان تموين بيتهم يوميا ولكل وجبة يقدم من الدكان حيث كان اهل البيت يرسلون احد الاطفال ومعه (بليق ) قلن حديد مفتوح من الاعلى وله حمالات يد ويقوم صاحب الدكان بوضع طلبات وجبة اسرته فيه حسب معرفته –
الحماله
وبالنسبة لنشاط تجاري واسع كما سبق فلا بد من منظومه اخرى تساعد في هذا العمل ولذلك هناك الحماله الذين يتولون مهمه حمل ونقل البضائع من والى نظير اجرة زهيده جدا وقد كانوا يعملون بشكل منظم حتى انك تعتقد انهم نقابه وممن اذكره منهم وكلهم قد افضوا الى رحمة الله ( مبارك سعيد عنبر ابو همام + كرامه عوض بن عبيد + رمضان سعيد عنبر + محمد عبيد عنبر +عبيد بن جوبح – ومما اذكره ان والدي قد اختلف مع حمد عبيد وخميس عبيد حمدون فقرروا ان يمنعوه من تحميل البضائع الخاصه بهم فقام والدي بالشكوى لدى المجلس القروي الذي لم يستطع حل الموضوع فرفعه الى القائم بدمون والذي اصدر امره بالزامهم بان يمارس والدي دوره * وبعد ان بدات السيارات تنقل البضائع من الشحر عبر الطريق الذي انجزت بجهد ابو بكر الكاف وبعد ان شارك وبقوه في المصالحه بين القبائل حيث تم توقيع اتفاقية بين القبائل المكونه من المناهيل والحموم وال جابر وثغين في الشرق ونوح وسيبان والعوابث في الغرب وقد فرضت الاتفاقيه بالقوه على القبائل للسماح بمرور السيارات التي تنقل الركاب او تنقل الاوزان الكبيره التي لا تستطيع الجمال حملها او البضائع سريعه التلف ولهذا اوجدوا جواني رز نزن الجونية اكثر من مائة كيلو لا يستطيع الجمل حملها في طريق قد يستمر شهرا ووقعوا على اتفاقية من ضمن بنودها ان لا يتقطع افراد القبائل على الطرق ولهم خمسه جمال تحمل بضائع مقابل كل سيارة تنقل بضائع من الشحر وقد استتب الامر للناس ولكن بعد ان تم قصف بعض القبائل عبر الطائرات البريطانيه كلما تم خرق الاتفاقيه من قبل أي قبيله وخاصه على قبيلة سيبان بسبب خجومهم على سيارات نقل الركاب في حوالي عام 1942م وقد استمر الامر كر وفر حتى استطاع ابناء الباديه واصحاب الجمال من تعلم سياقه السيارات فاصبحو هم او اغلبهم الناقلين للبضائع فاستتب الامر ولعل هذا احد اسباب انحسار الضوء عن عينات حيث اصبحت السيارات تاتي مباشره الى مدينه تريم عبر العقبة الموجوده على الجبال المطله على مشطه ربما يكون اسمها عقبة كتبه والذي رافق ابناء القنيص من اهل عينات وصعد من جبليت مع اهل البلاد مارا بعكم الحمار ( وهو معرق ( موقع صعود صعب وخطير في الجبل يودى الى اعلاه يقوم الصيادين بتجاوزه للوصول الى سطح الجبل ) ان الذي صعد الى الرقه اعلى الجبل المنبسط لا بد انه راى بام عينه طريق السيارات واضحا بارزا بشكل دقيق- لقد كانت السيارات البد فورد تقدم من الشحر محمله بكافة انواع البضائع وكان مع السائق معاون نسميه ( القرشبوي )وقد بحثت عن معنى الاسم فلم اجد له تفسيرا واضحا وربما هي كلمه انجليزية تم تعديلها مكونه من قرش + بوي البوي هو الفتى كان تقول كاوبوي أي فتى البقر وهي الشخصيه الهوليوديه المعروفه ) وكانت السيارات تسير سير السلحفات لتجاوز العقاب والطرق الوعره ما بين الشحر حتى عقبة المعدي ثم العقاب الجبليه حتى ساه ثم الطريق الوعره حتى تريم او عبر العقبة المشرفة على تريم من ناحية الشرق وكان دور القرشبوي هاما عند تعطل السياره وعند طلوع العقاب فهو يتعقب السياره وبيده حصاة كبيره عندما يرى ان السياره قد هونت من سرعتها وحتى لا ترجع للخلف ووتهرول ويحصل مالا يحمد عقباه فهو مباشرة يضع الحصاة تحت احد تواير السياره الخلفية منعا من عودتها وحتى يقوم السائق بشد عزم السياره لمعاودة الصعود ويستمر على هذا المنوال طوال الصعود وحتى يتم الاستدلال فان الراجل قد يسبق السياره عند طلوعها في العقاب في اغلب الاحوال ولا زالت هذه الطريقة تستعمل حتى الان في العقاب اذا هونت السياره وقل عزمها غير ان البعض يتركون الحصى في الطريق مما يتسبب في حوادث - عندما بدات السيارات تدخل الى عينات تغيرت بعض التفاصيل بالنسبة للحماله فقد كان عليهم ان ينقلو اكياس الرزالمسماة ام سبته وهي تزن اكثر من مائة كيلو وكنت ارى والدي وهو يضع ظهره تحت تلك الجواني واشعر بالشفقه عليه * لقد كان والدي اول من ادخل العربية الى عينات وهي عباره عن سطحة شبه مربعه من الخشب ولها عمودين طويلين يدخل الحمار بينهما ويربط بها ولها عجلات ومحور سيارة ويقوم الحمار بجر العربيه وقد كان الوالد يستعملها لنقل المواد الثقيله بعد ما تعود الناس اخذ كميات اكبر مما كانو ياخذونه عادة كما كان ينقل عليها ويذهب بها الى قسم والقريه وقاهر حتى تريم كما انه كان اول من ادخل القواري ذات العجله الواحده الى عينات ولها قصه قد ترد – كان الحماله اصحاب قوة ولهم كلمه في السوق وفقا ولحاجه الجميع اليهم كما كانو يقومون بحمل شبك البادر في القنيص وكانو ضمن الجوقه الخاصه بالمقام التي تسمى فرقه الطياله ( البرع ) وكان لهم موقع محدد للاستراحه في الجبال (غار جمعها غيران ) يجلسون فيها في ذهابهم للقنيص في جميع الخطمات لا يستطيع احد ان ينافسهم فيها ولهذا مواضيع اخرى قد نطرقها لاحقا –
الجماله
لقد كان الجمل هو وسيلة النقل الاساسيه في عينات سابقا ونظرا لكثرة العمل المطلوب فقد كان هناك العديد من الجماله قد يتجاوز العشرين جمال وفق تقديري وممن اذكرهم من الجماله عليهم رحمة الله وغفرانه اولا في النويدره كرامه وعبد الشيخ وسعد ابناء سالم عوض ووالد المرحوم عاشور بريك ووالد الاخ سعيد عوض باصلعاء وفي الرمله المغفور لهم عوض وعمر ال جبلي وهناك العديد ممن لا اذكر اسمائهم سواء في النخر او القوز او في بقية حويف عينات لقد كان النقل على الجمل يشمل نقل البضائع ونقل حصى اساسات البيوت ونقل طين البناء وضرب المدر الذي يتولى الجمال تكسير الجرف وتحميل الطين ونقله كما يقوم الجمال بجمع العصبة وتحميلها الى منازل الراغبين في الشراء لاستعمالها كوقود لعمل الخبز ويقومون بقطع ونقل عود الاراك وكذلك في قطع ونقل عود العلب المستعمل في غمر المنازل كما يقومون بقطع ونقل اشجار الاراك لاستعمالها في الودك وهي المرحلة التي تلي وضع عود الغمر ليوضع بعده اغصان اشجار الاراك ثم يوضع فوقها الطين و للجماله دور هام في مجال التنمية سواء في التجارة او البناء او على مستوى متطلبات الحاجات المنزليه وللجماله حداء ( غناء ) يقولونه اثناء عملهم او رحلات عملهم حيث انهم ايضا ينقلون امتعة الناس من منزل الى منزل كما ينقلون الزواد اثناء الزيارات ومنها زياره هود وقد ذهبت في احدى المرات على ظهر جمل محمل بصندوقين كبيرين يحتويان على زواد حملة الحبيب ان جاز التعبير وكنت انام على ظهر الجمل فوق الصناديق والطريق طويله وتاخذ ايام حتى الوصول بسبب متطلبات الزياره التي لابد من توقفها في مراحل محدده مسبقا لقد كنت استمتع كثيرا باخبار الجماله عندما يجتمعون بعد صلاة العصر على درج مسجد عمر بن حسين اذا صدف ولم يكن لدي احد منهم عمل وكانت احاديثهم جميله ويصفون فيها مغامراتهم اثناء اداء اعمالهم كان الجماله عند فراغهم من العمل يقومون باطعام الجمال والجمال باركه فنراهم وهم يكسرون قصب الذرة اليابس الى قطع طول القطعه حوالي عشرين سم يضعون من اربع الى خمس قطع ويفلون المجموعه بغلاف رقيق من البرسيم القضب حيث يبدو للجمل انه ياكل برسيم فقط ثم يقلمونها الجمل الذي يلوكها يمينا ويسارا ثم يبلعها وهكذا يستمر اطعامه وعندما كان الجمل لا يلقى طعاما فقد كان يعيد الطعام من معدته مره اخرى أي يجتره ويمضغه ثم يبتلعه مرة ثانيه اما شرب الماء فقد كان غالبا من أي بئر يقوم الجمال بنزح عدة دلاء في الحوض ويشرب الجمل وتسمع اثناء ذلك ان الجمال يصفر بفمه ليشجع الجمل على الشرب وقد يهدر من بين شفايفه * والجمل خطير في مرحلة التزاوج ولهذا يضعون له الفدامه وهي عبارة عن شبكه من الحبال يغطى بها فمه خوف الاعتداء بالعض لا نه يصبح خطيرا في تلك الفتره ويهدر بشدة ويخرج من فمه زبد كثير جدا وحتى الجمال الذي يعرف جمله كان ياخذ الحذر منه في تلك الفتره لان الجمل مشهور بالحقد ولهذا كانو يخرمون انفه ويضعون في الخرم حلقة حديد يربطونها بحبل يمسك به الفرد لكي يستطيع السيطره وتوجيهه - وحقد الجمل قد يصل الى اكثر من عشر سنوات فهو لا ينسى الاسائه ويقال اذا اردت ان تذم شخص بالحقد ان تقول له احقد من جمل ويقال ( لقد عطم البعير بغير لب * فلم يستغني بالعظم البعير ) وهناك الكثير من الحكايات عن الجمل وحقده حصلت لبعض الجماله في عينات ولغيرهم وبعضها وصل الى ان يقتل الجمل من يحقد عليه ورغم ذلك فالجمل من عجائب الله في الكون في تكوينه وفي شكله وفي خصوصياته وهناك احاديث كثيره ذكر فيها الجمل كما ان وقعة الجمل وهي من اشهر وقائع الخلاف بين المسلمين اثناء خلافة الامام على ابن ابي طالب كرم الله وجهه* لقد قدم العلماء المسلمين ابحاث في معجزات خلق الجمل ( الابل )
قال تعلى {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }الغاشية
17

ليست هناك تعليقات: